دعوة أوجلان التاريخية- نهاية حقبة حزب العمال الكردستاني في تركيا؟

المؤلف: كمال أوزتورك09.16.2025
دعوة أوجلان التاريخية- نهاية حقبة حزب العمال الكردستاني في تركيا؟

في لحظة تاريخية ترقبتها الأمة التركية بأسرها، وفي تمام الساعة الخامسة من مساء يوم السابع والعشرين من شهر شباط لعام ألفين وخمسة وعشرين، تجمدت الأنفاس وتعلقت القلوب بالشاشات، وذلك لترقب إذاعة بيان بالغ الأهمية صادر عن عبد الله أوجلان، المؤسس المحنك لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه العديد من الدول كمنظمة إرهابية. ويقضي أوجلان عقوبة السجن منذ ستة وعشرين عامًا في جزيرة إمرالي الواقعة في قلب بحر مرمرة.

إن الأهمية القصوى لهذا البيان تنبع من التوقعات الواسعة بأنه سيحمل دعوة صريحة من أوجلان إلى تنظيمه العتيد وإلى جميع الأذرع التابعة له المنتشرة في سوريا والعراق وإيران، من أجل إلقاء السلاح بشكل نهائي وحل الحزب بشكل كامل.

وكما كان متوقعًا، وفي الموعد المحدد بدقة، ظهر ممثلو حزب الشعوب الديمقراطي (DEM) أمام عدسات الكاميرات، ليتلوَا ذلك البيان التاريخي المدوّي. فقد دعا أوجلان بصورة قاطعة وغير مشروطة إلى وقف جميع العمليات العسكرية وإلى حل حزب العمال الكردستاني، معلنًا بوضوح لا لبس فيه:

"يتوجب على جميع الفصائل المقاتلة التخلي عن السلاح دون قيد أو شرط، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يعلن حله الذاتي بشكل فوري ونهائي".

يجدر بالذكر أن تركيا قد بذلت جهودًا مضنية في الفترة ما بين عامي ألفين وتسعة وألفين وأربعة عشر، من أجل وضع حد للصراع المسلح الدائر عبر ما أُطلق عليه اسم "عملية السلام"، إلا أن هذه المساعي النبيلة قد اصطدمت بالفشل الذريع. حيث استغل حزب العمال الكردستاني تلك الفرصة الثمينة لإعادة تنظيم صفوفه وتقوية بنيته التحتية تحت مسميات وعناوين مختلفة في شمال سوريا، وذلك بدعم لوجستي وعسكري من الولايات المتحدة، مما أتاح له تأسيس منطقة روج آفا، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى انهيار عملية السلام برمتها.

ونتيجة لذلك، قوبلت أية دعوات جديدة ترمي إلى حل الصراع المسلح بموجة عارمة من الرفض والاستنكار داخل الأوساط التركية. إلا أن الأمور قد تغيرت بشكل جذري عقب حرب غزة الأخيرة. فقد أدرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحنكته السياسية أن هذا الصراع قد يمتد ليشمل الأراضي السورية، ومن ثم قد يخلف تداعيات وانعكاسات سلبية داخل تركيا، مما دفعه إلى تبني إستراتيجية محكمة تقوم على "توحيد الصفوف وتعزيز الجبهة الداخلية".

وانطلاقًا من هذا المنظور، جاءت دعوته الملحة إلى إنهاء نفوذ حزب العمال الكردستاني داخل تركيا، حتى لا يتحول الحزب إلى أداة طيعة تستخدم لاستقطاب الأكراد داخل البلاد. وعلى نحو فاق كل التوقعات، أيد هذه الخطوة الجريئة دولت بهتشلي، الزعيم المحنّك لحزب الحركة القومية (MHP)، وهو الحزب المعروف بمعارضته الشديدة لأي محاولات سابقة تهدف إلى حل الصراع بالطرق السياسية.

وفي الثاني والعشرين من شهر تشرين الأول لعام ألفين وأربعة وعشرين، وبعد سلسلة من اللقاءات المثمرة التي أجراها مع شخصيات بارزة من حزب الشعوب الديمقراطي، أطلق بهتشلي تصريحًا مدويًا هز الأوساط السياسية، حيث قال بجرأة:

"إذا كان أوجلان جادًا في دعوته إلى التخلي عن السلاح وحل التنظيم، فليتفضل بالتحدث في البرلمان التركي ضمن كتلة حزب الشعوب الديمقراطي".

أحدث هذا التصريح زلزالًا سياسيًا عنيفًا داخل تركيا، وعجّل بشكل كبير من مسار العملية السلمية.

وعلى الفور، أعلن الرئيس أردوغان عن دعمه القوي لهذه المبادرة التاريخية، وكلف رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن بالإشراف على إدارة العملية. ثم قام ممثلو حزب الشعوب الديمقراطي بزيارة أوجلان في سجنه، حيث وافق الأخير على دعوة بهتشلي. وهكذا بدأ التجهيز والإعداد للبيان الذي تم تلاوته في السابع والعشرين من شهر شباط.

وفي الوقت الذي كان فيه مسؤولو حزب الشعوب الديمقراطي منخرطين في التواصل مع القوى السياسية المختلفة لحشد الدعم والتأييد، تولى إبراهيم قالن مهمة التخطيط الدقيق والمحكم لمراحل العملية السلمية.

لقد جاء البيان مكتوبًا بخط يد أوجلان باللغة التركية، وامتد على ثلاث صفحات ونصف، ومذيّلًا بتوقيعه وتاريخ الخامس والعشرين من شهر شباط لعام ألفين وخمسة وعشرين. تم نسخ البيان رقميًا وتسليمه إلى وفد حزب الشعوب الديمقراطي لقراءته. وقد حضر تسليم الرسالة الهامة محامو أوجلان وبعض رفاقه في السجن، وتم التقاط صور تذكارية لهذه اللحظة الفارقة ونشرها لاحقًا في وسائل الإعلام المختلفة.

ضم الوفد الذي توجه إلى جزيرة إمرالي سبعة أعضاء من حزب الشعوب الديمقراطي، وكان من بينهم أحمد ترك، رئيس بلدية ماردين السابق، الذي قرأ نص البيان باللغة الكردية، قبل أن تتولى بروين بولدان، الرئيسة السابقة للحزب ونائبة البرلمان، قراءة النص الأصلي المكتوب باللغة التركية.

بدأ أوجلان رسالته بشرح الأسباب والدوافع التي قادته إلى تأسيس التنظيم، وكيف تطورت أفكاره الأيديولوجية عبر الزمن، ولماذا لم يتمكن التنظيم من تحقيق النجاح المرجو، حيث كتب:

"إن حزب العمال الكردستاني، الذي يُعد أطول حركات التمرد والعنف في تاريخ الجمهورية التركية، لم يتمكن من الاستمرار والبقاء إلا بسبب غياب قنوات السياسة الديمقراطية. غير أن الحلول القائمة على النزعة القومية المتطرفة، مثل الدولة القومية المنفصلة، أو الفدرالية، أو الإدارة الذاتية، أو الحلول الثقافية، لم تثبت فعاليتها في مواجهة البنية الاجتماعية التاريخية".

ثم أعلن في الجزء الأخير من رسالته عن تفكيك الحزب بشكل نهائي، قائلًا:

"إنني، وفي ظل المناخ السياسي الإيجابي الذي تشكل بفعل دعوة السيد دولت بهتشلي، والإرادة القوية التي أظهرها السيد الرئيس، والموقف الإيجابي الذي اتخذته بقية الأحزاب السياسية، أتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة إلى وقف إطلاق النار وإلقاء السلاح. وكما تفعل كل المجتمعات الحديثة والأحزاب السياسية، التي لم تجبر على التلاشي بالقوة، أدعوكم إلى عقد مؤتمر عام واتخاذ قرار تاريخي بحل الحزب بشكل نهائي. يجب على جميع الفصائل المقاتلة التخلي عن السلاح، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يعلن حله الذاتي. أحيي جميع الأطراف التي تؤمن بالتعايش المشترك، وتستجيب لندائي".

ما هو الأثر المتوقع لهذه الدعوة؟

  • البيان كان واضحًا وحاسمًا، ولا يترك مجالًا لأي تفسيرات أو تأويلات. وهذا يعني أن غالبية مقاتلي الحزب سوف يمتثلون لهذا القرار التاريخي، ومن يرفضه علنًا سيتحول إلى متمرد على أوجلان نفسه. كما أن الدعم الشعبي للتنظيم سيتراجع بشكل كبير وملحوظ.
  • بغض النظر عن مدى التزام الحزب بقرار الحل، فإن تركيا تعتبر هذه الدعوة انتصارًا كبيرًا وهامًا في حربها ضد الإرهاب.
  • إن حل الحزب يعزز موقف إقليم كردستان العراق والحكومة العراقية، حيث أن التنظيم لطالما شكل تهديدًا مباشرًا لهما، وسيكون التعامل معه بعد الآن أكثر سهولة ويسر.
  • في المقابل، أعلنت وحدات حماية الشعب (YPG) في سوريا أنها غير معنية بهذه الدعوة، قائلةً: "دعوة أوجلان تخص حزب العمال الكردستاني، وليس نحن". ومع ذلك، قد تؤدي هذه الخطوة إلى انقسامات حادة داخل التنظيم، بسبب تحدي سلطة أوجلان، مما يضعف بنيته الداخلية.
  • تؤكد مصادر أمنية موثوقة أن رفض وحدات حماية الشعب لهذه الدعوة جاء استجابة لضغوط إسرائيلية وأمريكية. مما سيجعل تركيا تصنفها بشكل أكثر وضوحًا كـ"مليشيا أجنبية تعمل بالوكالة".
  • اكتسب النظام السوري ورقة ضغط جديدة لزيادة الضغط على وحدات حماية الشعب لإجبارها على التخلي عن السلاح والاندماج في النظام.
  • حتى لو حاول التنظيم إعادة التشكّل بأسماء أخرى، فإن معنوياته ومبررات وجوده لن تكون كما كانت في السابق، مما يعني تلاشيه واضمحلاله مع مرور الوقت.
  • على الصعيد الداخلي، قد يتم رفع حالة الطوارئ في المناطق المتضررة من الصراع، مما يسرع تنفيذ مشاريع التنمية والاستثمارات هناك.
  • سيكون حزب الشعوب الديمقراطي أكثر تحررًا من ضغوط حزب العمال الكردستاني، مما يتيح له لعب دور سياسي مدني أكثر استقلالية، مما يعزز المسار الديمقراطي في تركيا.
  • أخيرًا، يُسجل لأردوغان وبهتشلي أنهما الزعيمان اللذان أنهيا أطول حركة تمرد مسلح في التاريخ الحديث، مما سيعزز شعبيتهما ومكانتهما. كما أن إبراهيم قالن قد برز كمهندس ناجح لهذا المسار، مما يعزز موقعه في المشهد السياسي التركي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة